الاثنين، 11 يوليو 2011

المهندس الناجي ولد محمد أعمر يكتب: من أين سيبدأ الحوار؟

يكثر الحديث في هذه الأيام عن الحوار والأيام التشاورية وتكثر اللافتات والعناونين لكن هناك ثلاث مواضيع تطغى على غيرها المشكل الإجتماعي وتفريعاته العرقية والطبقية ، المشكل السياسي ومضاعفاته التي تؤثر وتتأثر ببقية المشاكل وثالثهم مشكل التعليم والذي بدوره يبأثر سلبيا بكل تلك التجاذبات. جالت هذه الأفكار كلها في ذهني وأنا أستعد لمغادرة المقاطعة -مقطع لحجار- قافلا إلى العاصمة نواكشوط .كان الألم يعتصرني وأنا أتابع مأساة التعليم في هذه المقاطعة الوديعة، إضراب شبه كامل لأساتذة المواد العلمية أصحاب التكوين العربي احتجاجا على إلزامية التدريس باللغة الفرنسية ,أستاذان  من أصول إفريقية يشكلان طاقم تدريس المواد العمية ونتائج الطلاب لا تكاد تتجاوز في اغلبها 3/20 . يشتكى الطلاب هناك من الغياب الكامل للشرح وأن الأستاذين المذكورين  يكتفيان بنقل الدرس حرفيا من الكتاب ، أنتم محظوظون يرد المدير فقد عندكم أستاذ فهناك بعض الأقسام التى لا تجد من يدرسها ، وفي الاخير أحجم الطلاب عن حضور الدرس واكتفوا بمراجعة الدروس من الكتاب المدرسي . مدير مدرسة إبتدائية يشكو ويقول والحسرة تعتصر قلبه: الطلاب يستعدون لمسابقة شهادة ختم الدروس الإبتدائية ومدرس الفرنسية والذي هو في نفس الوقت مدرس مادة الحساب ما زال يكرر على الطلاب كيفية تهجئة الأرقام ( كتابتها بالحروف) ، لا قواعد ، لا مسائل ، كيف يمكنهم التجاوز . معلمة ابتدائية متميزة تشكو أن زميلها مدرس الفرنسية والحساب يكتب قواعد الحساب بشكل خاطئ تقول وهي تشيح بوجهها غير معقول لا يمكن لمعلم أيا كان أن يجهل مساحة المربع ، هذا مقصود . فهل السبب هو جهل هؤلاء بالمواد التى يدرسونها أم أن المشكل الإجتماعي في شقه العرقي قد انعكس هنا على التعليم فانتج سياسة تجهيل ممنهج؟  لم ألتق أحدا من مواطنينا سكان الضفة وأظن أن المشكلة لديهم لن تكون أقل حدة. لنتحرك قليلا خارج أسوار المدينة باتجاه التجمعات المسحوقة في آدوابه هناك حدث ولا حرج في بعض التجمعات لا يوجد أي مدرس. إحدى المدرسات عادت بعد يومين وهي تحكى عن مغامراتها في أدباي تقول وهي تسرد السبب الذى تجده شرعيا لترك مدرستها: يذهون عنى ضحى لكي يساعدوا أهليهم في الحقل ،تقول وأنا في اليوم الاول أتقلب علىحصير بال  تحت إحدى الخيم وإذا باحداهن تهددني بحجر ضخم تريد أن تضربني به بسبب قضية لم تتضح لي وبعد حوالي ساعة من المعاناة عادت نساء الحي ليخلصننى من الورطة، هذه فلانة المجنونة يردون على، في الصباح حزمت أمتعتى ورجعت إلى المدينة .مفتشية التعليم لم تضمن سلامتى وأنا لا يمكننى العيش في مثل هذه الظروف . ذهابي أصلا لم يكن شرعيا فأنا أدرس في قلب المدينة ولدي فصل من  مائة طالب، المفتش حولنى مؤقتا وبشكل قسري حتى يتمكن من التغطية على التفريغ غير الشرعي لأحد المتنفذين . لكن كيف سينظر الطرف الآخر للقضية هل سيعتبرها سياسة تجهيل ممنهجة تنظمها طبقة متمكنة تحاول أن تبقي الوضع على ما هو عليه ، المعلمون يلخصون حجتهم في القاف الحساني : حد أفكت لآدوابه ما ينشاف أعليه إلى عنهم لاد وآب بيه أ بيه أ بيه . وقد بلغني أن  أحدهم قد طلع الكاف ساردا الظروف المأساوية التي يعيشها هناك - وبالمناسبة فهو أحد شباب المقاطعة الذين استطاعوا أن ينجزوا مشروعا تعليميا حرا ناجحا ومتميزا - لكنه نسي  في الوقت ذاته أن هذه الظروف التي يرفض هو العمل فيها مبجلا ومكرما ، لا يجد  آلاف المواطنين بدا من العيش فيها  وهم صاغرون فلو تحركت عبقريته بأبيات (طلعة) يسرد فيها معاناتهم هم حتى تزول أو يقدم لهم مشروعا تعليميا كالذى انجزه في مدينته ويحتسب أجره عند الله تعالى ويكون بذلك قد قدم جهدا مشكورا لإعلاء شأن هذا الوطن الجريح .  فهل سيودى المشكل الإجتماعي إلى انهيار كامل للتعليم وبالتالى لمستقبل الدولة الموريتانية . أقول وبكل ألم أن هذه الظروف هي التى تحمل الساسة على تبني بعض هذه القضايا ومعالجتها بنظرة أحادية ينجم عنها احتكاك ببقية السياسيين الذين ينظرون إلى الاوضاع من زوايا أخرى أو على الأقل وفق أولويات مختلفة.  والسؤال الآن : من أين سيبدأ الحوار ومن هم أطرافه؟       

هناك تعليق واحد: