الاثنين، 11 يوليو 2011

الدكتور محمد الحسن ولد اعبيدي يكتب: أيها الرئيس، ارحل قبل فوات الأوان

سيدي الرئيس،
لو فكرت وقدرت واستقبلت من أمرك ما استدبرت لأنجزت ما وعدت به أنت وزملاؤك في بيان الإطاحة بولد الطايع وتركت للشعب الموريتاني تدبير شأنه السياسي بنفسه وأخذت مكانتك بين ضباط الجيش الوطنيين الذين يرضون بأن يكون حراسا لدولة الدستور لا أوصياء عليها وشركاء في إثم إجهاضها.

واليوم وقد فعلتم ما فعلتم مما أنتم أدرى به ارحموا شعبكم وخذوا العبرة مما يدور حولكم واحزموا أمتعتكم طائعين قبل أن يصيبكم ما أصابهم ويحل بدياركم ورهطكم ما حل بهم، فما عزيز على الجائع المنتفض حين يقوم بعزيز، ولا تغتروا بقول ناصح غير أمين إن الشعب الموريتاني ليس كالشعوب الثائرة فهذه حجة تحتاج للدليل والثورة كالبركان لا وقت لثورانه فالفقر الذي بشرتم بالقضاء عليه زاد لزيادة أسبابه من غلاء في الأسعار وغبن وبطالة والقائمة تطول والاختلال الاجتماعي موجود والفساد الإداري كان موجودا والمواطن مستفيد منه واليوم يوجد ولا يستفيد منه إلا أصحاب الحظوة ومن حاد عن نهجه رفع في وجهه سيف العدالة والصفقات العمومية لا يفوز بها إلا المقربون والمواطن فيها هو الخاسر وليست اتفاقية الصيد الأخيرة إلا مثال واحد نبه عليه النواب وما خفي أعظم فخذ العبرة واخرج بسلام قبل أن يشتد الظلام وتخرج الدهماء والله يعصم من سيل الدماء ولا يعلم ما يتبع ذلك من محاكمات ومتابعات وتشهير فكل أمة تلعن من قبلها وتكشف عوراته، فتذكر قضية وودسايد وملاحقها المجحفة وقارن بينها وبين اتفاقية الصين .

أقول هذا وأتمثل قول دريد:
نصحت لعارضٍ وأصحاب عارض ورهط بنـي السـوداء والقـوم شهـدي
فـقـلـت لـهــم ظـنــوا بـألـفـي مـدجــج سـراتـهـم فـــي الـفـارسـي الـمـســرد
أمرتهـم أمـري بمنعـرج الـلـوى فـلـم يستبينـوا الـرشد إلــا ضـحـى الـغـد

سيدي الرئيس،

لقد رحل طاغية عاد حين حجد حق الشعب وظن أنه عَصِيٌ عليه لأنه حسب أن تجبره وعناده كاف لكسر إرادة الشعب فأبعده شر إبعاد وتركه وسيلة للتندر والفكاهة وزلزلت صيحات الشباب بكلمة "ارحل" الجميلة "كرسي طاغية مصر وشيعته فأبعد كما أبعد طاغية تونس قبله وقطار النفايات ما زال ينتظر فأسرع قبل أن يصيبك ما أصاب عزيز تونس أو عزيز مصر أو عزيز اليمن وما عزيز الجماهيرية منا ببعيد وما رأيه بسديد.

إن سميفونية التغيير التي بدأت تعزف أوتارها منطلقة من حناجر بعض الشببة الشرفاء الذين آمنوا بالوطن وحق بنيه في الكرامة والحضور الفاعل في صنع التغيير سيتردد صداها في كل أذن وستخرج الحناجر من الأكواخ والفلل الراقية ملبية النداء الجميل فأرحل شريفا معززا قبل أن يكون الرحيل بيد غيرك فتشمت بك أعداؤك و قد قال الإمام علي كرم الله وجهه "وقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي، ونَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي، "لَو كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ .


وعسى ألا تقول حينها كما قالت الملكة المشهورة الزباء لما أحاط بها أعداؤها "بيدي لا بيد عمرو".


سيدي الرئيس،

لقد هلل لكم الشعب بين فرح مصدق لما تقولون وما تُوعِدون وما تعلنون مما كان يخفى من فساد إدارة لم تتعاف وأنتم على الفساد طيلة الفترة شاهدون صامتون وبين مستسلم طائع يندب حظه الضائع خوفا من صولة العسكري ونقمة الجائع ولهفة السياسي الطامع الذي يشيم كل برق أنه صَيبٌ نافع وسعد طالع ينسيه السنين العجاف ويدلى الثمرة للقطاف لكن هيهات ما كل الصيد في جوف الفرا وما كل نار للقرى فالأسد أسد الشرى والوعد إفك مفترى ولات ساعة مندم وقد كسب العسكري المغنم ورضي الشعب بالمغرم و السياسي بالمأثم.

وقد بقيت الديمقراطية في الأوراق وخرجت مفرداتها مع البصاق في مناديل أصحاب النياشين والرفاق يوم كانوا يتحدثون في المنتديات والملتقيات والندوات عن بناء دولة مؤسسات تصان فيها الكرامة وتحفظ الحريات ويعود الجيش للثكنات بعد أن حقق لأبناء جلدته أكبر المعجزات وشتان ما بين التنظير والتطبيق فلا الجيش يترك للديمقراطية طريقا ولا الديمقراطية ترضى الجيش رفيقا.


ومشكلتنا نحن أن حلمنا بالدولة المدنية ضاع بين الثنائيتين كلما غاب نجم جيل عسكري لاح في الأفق جيل جديد أكثر جشعا وأقدر على التستر وراء شعارات براقة "تضيء لمن يسرى ولا تقرى" فمنذ الإطاحة بالرئيس المؤسس للدولة ونحن نلهث وراء "الإنقاذ" ثم "الخلاص" ثم "التصحيح" ثم "العدالة والديمقراطية" وأخيرا "التغيير" و "محاربة الفساد" والقائمة تطول وثمت مصطلحات في الطابور تنتظر التوظيف لإقناعنا بشرعية انقلاب و طُهرية منقلب من داخل القصر أو خارجه دفعته الغيرة وحب الوطن لتنفيذ ما أقدم عليه وعليكم يا ساسة "بالظواهر والله يتولى السرائر" وأهل الفقه أدرى و إليه المرجع لمباركة ما جرى فلكل مرحلة فقهها الخاص الذي تواترت عليه كتب الخواص لسان حالهم يقول "كل العصور أنا بها فكأنما عمري ملايين من السنوات" فلم تبق زاوية بهذا القصر إلا و أبحت لساكنتها ما لم تخرجه الكتب الصحاح ولم يهتد لفهمه العلماء الأقحاح وإذا أزفت ساعتهم ونادى غرابهم بالرحيل أمتشق قلمي ودواتي وأعود لمحفوظاتي فأكتب منها تزكية للسلطان الآت مستشهدا بصحاح الأحاديث ومحكم الآيات في وجوب طاعة من تغلب ومن انقلب ولو كان من أخس النات لا سيما إن كان شريفا في الأفعال والصفات.


وكم عانى هذا الشعب المسكين من قلم قفيه مستظهر للنصوص لا يفقه الموازنة بين مقتضياتها ومفردات الواقع ومن بندقية عسكري طامح لا حدود لطموحه وسياسي طامع يحسن اللعب في الفرص الضائعة.


فلم يبق لك أيها الشعب العظيم إلا أن تنتصر لنفسك بنفسك وتأخذ الثأر ممن ظلموك فقد بلغت سن الرشد وأكسبتك التجارب أن اليد هي القادرة على مسح الأذى عن وجه صاحبها.


وفى الأخير أقول مع الشاعر العظيم أبو القاسم الشابي:

أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً *** فأهوي على الجذوعِ بفأسي!
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا يالَتْ *** تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي *** ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
ليتني كنتُ كالشّتاء، أُغَشِّي *** كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!
ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي *** فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ! إن ضجَّتْ *** فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ..! لكْ *** أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق